تالاهاسي، فلوريدا – صوت المسؤولون المحليون في عاصمة فلوريدا مؤخرًا بالموافقة على بيع ملعب جولف يمتد على أراضٍ تاريخية، تحديدًا فوق ما يُعتقد أنها مقابر العبيد، إلى نادٍ ريفي خاص. القرار، الذي اتُخذ بأغلبية 3 مقابل 2، أثار جدلاً واسعًا ومعارضة قوية من السكان المحليين والمؤرخين الذين يخشون من إهمال ذاكرة هذا الماضي الأليم. هذه الخطوة تعيد إلى الواجهة قضايا معقدة تتعلق بالتاريخ العنصري، والحفاظ على المواقع الأثرية، ومسؤولية المجتمع تجاه ضحايا العبودية.
اكتشاف مقابر العبيد في قلب تالاهاسي
الأدلة على وجود مقابر العبيد في موقع نادي كابيتال سيتي كونتري كلوب ليست جديدة. ففي عام 2019، قام علماء الآثار التابعون لخدمة المتنزهات الوطنية بتحديد 23 قبرًا غير مميز و14 قبرًا محتملًا بالقرب من الحفرة السابعة. هذه القبور تعود إلى العبيد الذين عاشوا وعملوا في مزرعة قطن كانت قائمة في المنطقة قبل تحويلها إلى ملعب جولف.
هذا الاكتشاف ليس حالة فريدة في الولايات المتحدة. فآلاف المقابر غير المميزة للعبيد المنسيين مهددة بالضياع بسبب التنمية العمرانية واللامبالاة. الجهود جارية من قبل الأحفاد والناشطين لحماية هذه المواقع الثمينة.
الجدل حول بيع ملعب الجولف
قرار بيع ملعب الجولف، الذي تبلغ مساحته 178 فدانًا، إلى النادي الريفي الخاص أثار غضبًا واسعًا. المنتقدون يشيرون إلى أن المدينة تأخرت لسنوات في بناء نصب تذكاري مناسب للحفاظ على هذه المقابر وحمايتها، على الرغم من توصيات سابقة من اللجنة.
جاستن جوردان، وهو طالب جامعي، عبّر عن مشاعره قائلاً: “بصفتي أحد أحفاد العبيد، لا أملك رفاهية زيارة قبور أجدادي أو حتى معرفة أسمائهم. لهذا السبب، أنا أقف بقوة ضد هذا البيع.” هذا التصريح يجسد الألم والإحباط الذي يشعر به الكثيرون من أصول أفريقية أمريكية.
شروط الصفقة والالتزامات المترتبة عليها
على الرغم من الجدل، تمت الموافقة على الصفقة مقابل 1.255 مليون دولار. تتضمن الشروط أن يظل العقار ملعب جولف مكونًا من 18 حفرة، وأن لا يتم تطويره. كما خصصت المدينة حوالي 98 ألف دولار من عائدات البيع لتمويل بناء النصب التذكاري، مع ضمان وصول الجمهور إليه، مع قيد واحد: عدم التدخل في اللعب.
بالإضافة إلى ذلك، التزم النادي الريفي باستضافة فريق الجولف التابع لجامعة فلوريدا إيه آند إم (FAMU)، وهي جامعة عامة تاريخية للسود. وقد وافق مجلس أمناء الجامعة على هذه الاتفاقية.
مخاوف بشأن مستقبل الموقع والعدالة التاريخية
لا يزال بعض السكان متشككين بشأن بيع الأرض إلى نادٍ كان في السابق مخصصًا للبيض فقط. كما أثيرت تساؤلات حول سعر الأرض، معتبرين أنه قد يكون أقل من قيمتها الحقيقية نظرًا لإمكانية تطويرها في المستقبل.
المفوض جيريمي ماتلو أعرب عن قلقه من أن الصفقة قد تؤدي إلى إنشاء ملعب جولف فاخر على غرار مارالاجو، معربًا عن مخاوفه بشأن “الضاربين الكبار” في النادي وعلاقاتهم المحتملة بالسياسيين.
هذه القضية تثير تساؤلات أعمق حول العدالة التاريخية وكيفية تعامل المجتمعات مع إرث العبودية. فهل بيع الأرض هو طريقة مناسبة لتجاوز الماضي، أم أنه يمثل إهانة جديدة لضحايا العبودية؟ هل يمكن تحقيق التوازن بين الحفاظ على المواقع التاريخية والسماح بالتنمية الاقتصادية؟
إعادة النظر في التاريخ والمسؤولية المجتمعية
على الرغم من الجدل، أشار بعض المفوضين، بمن فيهم عضوان من ذوي الأصول الأفريقية الأمريكية، إلى أن الصفقة تمثل فرصة للمضي قدمًا وإعادة استثمار الإيرادات في الخدمات العامة. المفوضة ديان ويليامز كوكس قالت إن تجاوز ماضي المدينة هو أمر ضروري لتحقيق التقدم.
ومع ذلك، يرى الكثيرون أن هذه الصفقة لا تعالج بشكل كافٍ الجروح العميقة التي خلفها التاريخ العنصري. إن بناء نصب تذكاري هو خطوة مهمة، لكنه ليس كافيًا. يجب على المدينة أن تلتزم بجهود مستمرة لتوثيق تاريخ العبودية في المنطقة، وتثقيف الجمهور حول هذا الإرث الأليم، وضمان أن يتم احترام ذكرى الضحايا.
إن قضية مقابر العبيد في تالاهاسي هي تذكير مؤلم بأن الماضي لا يزال حاضرًا. إنها دعوة للمجتمع لإعادة النظر في تاريخه، وتحمل مسؤوليته، والعمل من أجل مستقبل أكثر عدلاً وإنصافًا للجميع. النقاش حول هذه القضية يجب أن يستمر، وأن يشمل جميع أفراد المجتمع، لضمان أن يتم اتخاذ قرارات مستنيرة تحترم ذاكرة الماضي وتحمي حقوق الأجيال القادمة.

