في ظل حالة من الغموض الاقتصادي تزداد تعقيدًا، يشهد الاقتصاد الأمريكي تأثرًا كبيرًا بتأخير البيانات الاقتصادية الهامة، وخاصة تلك المتعلقة بـ سوق العمل، وذلك نتيجة للإغلاق الحكومي الفيدرالي الذي استمر 43 يومًا. هذا التأخير أثار قلق المستثمرين وصناع السياسات على حد سواء، وألقى بظلاله على قدرة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) على اتخاذ قرارات نقدية مستنيرة. تزامن هذا مع سياسات اقتصادية جديدة تتبناها إدارة ترامب، مما زاد من حدة التحديات.

تأثير الإغلاق الحكومي على بيانات التوظيف والبطالة

كان من المقرر أن تصدر وزارة العمل الأمريكية أرقام التوظيف والبطالة لشهر سبتمبر في وقت سابق، لكنها تأخرت أكثر من شهر ونصف بسبب الإغلاق الحكومي. هذا التأخير يعني أن هناك فجوة معلوماتية كبيرة حول حالة الاقتصاد الأمريكي، حيث لم يتم نشر العديد من التقارير الاقتصادية الحيوية، بما في ذلك تقارير مكتب إحصاءات العمل ومكتب التحليل الاقتصادي ووزارة التجارة.

ويُعد تقرير أعداد الأمريكيين المسجلين للحصول على إعانات البطالة من المؤشرات الأولية الهامة التي تساعد في تحديد مسار سوق العمل. حقيقة أن هذا التقرير لم يصدر لأكثر من سبعة أسابيع متتالية فاقمت من حالة عدم اليقين.

إصدارات متأخرة ومؤشرات متباينة

على الرغم من الصعوبات، أصدرت وزارة العمل تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر سبتمبر في 24 أكتوبر، متأخرًا تسعة أيام. تم إعطاء الأولوية لهذا التقرير لأنه يستخدم في حساب تعديلات تكلفة المعيشة لملايين المستفيدين من الضمان الاجتماعي والمزايا الفيدرالية الأخرى.

ومع ذلك، فإن الصورة الاقتصادية العامة لا تزال غير واضحة. فمن ناحية، أظهرت بعض المؤشرات نموًا اقتصاديًا قويًا في منتصف العام وانخفاضًا في معدل البطالة. ولكن من ناحية أخرى، بدأ نمو الوظائف في فقدان زخمه، وظل التضخم أعلى من الهدف الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2%. كما أن سياسات الرئيس ترامب، مثل الرسوم الجمركية على الواردات وتشديد قوانين الهجرة، أضافت طبقة أخرى من التعقيد.

توقعات حول أرقام التوظيف لشهر سبتمبر

تشير التوقعات إلى أن تقرير التوظيف لشهر سبتمبر سيظهر إضافة 65 ألف وظيفة فقط، وهو رقم متواضع مقارنة بـ 22 ألف وظيفة أُضيفت في أغسطس. ومع ذلك، يتوقع المحللون أن يظل معدل البطالة منخفضًا عند 4.3%. هذه الأرقام، إذا صحت، ستعكس تباطؤًا في نمو الوظائف، لكنها ستظل تشير إلى أن سوق العمل لا يزال قويًا نسبيًا.

قلق المستثمرين وسلوك الاحتياطي الفيدرالي

تسبب تأخر البيانات الاقتصادية في حالة من الذعر في وول ستريت، وأثار جدلاً حادًا داخل الاحتياطي الفيدرالي حول ما إذا كان ينبغي خفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي. أشار بعض مسؤولي البنك المركزي إلى أن نقص البيانات يبرر تأجيل أي قرار آخر بشأن خفض أسعار الفائدة.

وبالتالي، فإن التقارير الجديدة عن الوظائف والتضخم التي سيتم نشرها في الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار السياسة النقدية. فالأرقام الجديدة يمكن أن تساعد في حل الخلافات بين مؤيدي خفض أسعار الفائدة ومعارضيها. هذا يعني أن القرارات المقبلة للاحتياطي الفيدرالي ستعتمد بشكل كبير على دقة وموثوقية هذه البيانات الجديدة.

تحديات ما بعد الإغلاق واستعادة البيانات

حتى مع إعادة فتح الحكومة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لاستعادة التدفق الكامل للبيانات الاقتصادية. أفاد كيفن هاسيت، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، بأنه سيتم نشر جزء فقط من تقرير الوظائف لشهر أكتوبر، والذي كان من المقرر إصداره في 7 نوفمبر.

ويرجع ذلك إلى أن مكتب إحصاءات العمل لديه بيانات كافية من الشركات لحساب عدد الوظائف المكتسبة أو المفقودة، حيث يتم تقديم الكثير من هذه المعلومات إلكترونيًا. ومع ذلك، فإن المسح الذي يعتمد عليه تحديد معدل البطالة لم يتم إجراؤه بسبب الإغلاق الحكومي. وهذا يعني أنه، ولأول مرة منذ 77 عامًا، قد لا يتمكن مكتب إحصاءات العمل من حساب معدل البطالة لشهر أكتوبر.

استقلالية البيانات الاقتصادية

لطالما أثيرت تساؤلات حول استقلالية البيانات الاقتصادية، خاصة بعد إقالة الرئيس ترامب لمديرة مكتب إحصاءات العمل، إريكا ماكنتارفر، في أغسطس. ومع ذلك، أكد الخبراء الاقتصاديون أن التقارير القادمة يجب أن تكون خالية من أي تحيز.

الأهم من ذلك، أن الوكالة لا تشغلها حاليًا أي تعيينات سياسية، بعد أن سحب ترامب ترشيحه لرئاسة مكتب إحصاءات العمل في 30 سبتمبر. صرح آرون سوجورنر، كبير الاقتصاديين في معهد WE Upjohn، قائلاً: “البيانات يتم إنتاجها من قبل نفس المجموعة من الأشخاص تقريبًا كما كانت في الماضي.” وبالتالي، يمكن الاعتماد على البيانات المستقبلية لتعكس الواقع الاقتصادي بشكل دقيق.

الخلاصة، يواجه الاقتصاد الأمريكي تحديًا يتمثل في معالجة الفجوة المعلوماتية الناتجة عن الإغلاق الحكومي. إعادة نشر بيانات سوق العمل والتضخم أمر ضروري لاتخاذ قرارات اقتصادية مستنيرة، سواء من قبل الاحتياطي الفيدرالي أو المستثمرين أو الشركات. قد يتطلب الأمر بعض الوقت لاستعادة الثقة الكاملة في البيانات الاقتصادية، ولكن من خلال الحفاظ على استقلالية الوكالات المسؤولة عن جمعها، يمكننا ضمان أن هذه البيانات تظل أداة قيمة لفهم وتحليل الاقتصاد. لمتابعة المزيد حول التطورات الاقتصادية، يمكن زيارة المواقع الإخبارية الاقتصادية الموثوقة والتحليلات المتخصصة.

شاركها.
Exit mobile version