لبنان وإسرائيل: مسار المفاوضات المباشرة يواجه تعقيدات وتأكيدات على عدم التطبيع

أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، يوم الأربعاء، أن بلاده لا تزال بعيدة كل البعد عن أي تطبيع دبلوماسي أو علاقات اقتصادية مع إسرائيل، على الرغم من الخطوات المتخذة نحو إطلاق مفاوضات مباشرة بين الجانبين بهدف تخفيف التوترات الحدودية. يأتي هذا التأكيد في ظل إعلان إسرائيل عن إرسال مبعوث لإجراء محادثات مع مسؤولين لبنانيين، وهو ما يثير جدلاً واسعاً حول مستقبل العلاقات بين البلدين. هذا المقال يتناول آخر التطورات في هذا السياق، مع التركيز على موقف لبنان من التطبيع مع إسرائيل، وتحديات تنفيذ وقف إطلاق النار، ومستقبل الأسلحة في الجنوب اللبناني.

بدء حوار محدود: لجنة مراقبة وقف إطلاق النار

أعلن كل من لبنان وإسرائيل عن تعيين ممثلين مدنيين للمشاركة في لجنة عسكرية مشتركة، مهمتها مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في نوفمبر 2023، والذي أنهى الحرب الأخيرة بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية. يمثل لبنان في هذه اللجنة سيمون كرم، المحامي والسفير السابق لدى الولايات المتحدة، بينما يمثل إسرائيل أوري ريسنيك، نائب مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي للسياسة الخارجية.

هذه اللجنة، التي تضم أيضاً ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، تعتبر خطوة أولى نحو حوار ثنائي مباشر، وهو ما طالبت به واشنطن. ومع ذلك، يشدد المسؤولون اللبنانيون على أن هذا الحوار يقتصر على الجوانب المتعلقة بوقف إطلاق النار ولا يشكل بأي حال من الأحوال بداية لعملية تطبيع العلاقات.

تأكيد لبنان على الموقف العربي الرافض للتطبيع

في تصريحات واضحة، أكد رئيس الوزراء سلام أن لبنان يلتزم بخطة السلام العربية لعام 2002، التي تشترط إقامة دولة فلسطينية مستقلة كشرط أساسي للتطبيع مع إسرائيل. وأضاف أن أي حديث عن علاقات اقتصادية مع إسرائيل يأتي في سياق التطبيع الشامل، وهو أمر لا يزال بعيد المنال في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ورفض حكومة نتنياهو القاطع لإقامة دولة فلسطينية.

“العلاقات الاقتصادية ستكون جزءاً من هذا التطبيع، ومن الواضح أننا لسنا هناك على الإطلاق”، هكذا لخص سلام موقف الحكومة اللبنانية. هذا الموقف يعكس الإجماع السياسي اللبناني الرافض لأي علاقات طبيعية مع إسرائيل قبل تحقيق تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.

الجدل حول نزع سلاح حزب الله وتصعيد التوترات

تزامنت هذه التطورات مع استمرار المخاوف من تصعيد إسرائيلي جديد ضد حزب الله في لبنان. تواصل إسرائيل شن غارات جوية ومدفعية شبه يومية على الأراضي اللبنانية، بذريعة منع الحزب من إعادة بناء قدراته العسكرية.

القضية الأكثر إثارة للجدل في لبنان هي الدعوات المتكررة لنزع سلاح حزب الله. أعلنت الحكومة اللبنانية في أغسطس الماضي عن خطة لتوحيد جميع الأسلحة في أيدي الدولة بحلول نهاية العام، لكنها تراجعت لاحقاً عن هذا الموعد النهائي. ويرى حزب الله أن نزع سلاحه لن يكون ممكناً إلا بعد انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية ووقف اعتداءاتها.

وفي هذا السياق، أكد سلام أن لبنان يسعى لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح، والتي تهدف إلى بسط سيطرة الجيش اللبناني على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني. لكنه أشار إلى أن هناك بعض النقاط الحدودية لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن المراحل المتبقية من الخطة “ليس لها إطار زمني” محدد.

وقف إطلاق النار “الغامض” وآلية التحقق من الانتهاكات

على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار في نوفمبر 2023، إلا أن الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية لا يزال متوتراً. يتهم كل طرف الآخر بانتهاك وقف إطلاق النار، وتفتقر آلية التحقق من هذه الانتهاكات إلى الوضوح والفعالية.

يسمح اتفاق وقف إطلاق النار للطرفين بالقيام بأعمال “دفاع عن النفس”، لكنه لم يحدد بدقة ما الذي يشكل عملاً دفاعياً. تعتبر إسرائيل أن غاراتها على الأراضي اللبنانية هي دفاع عن النفس، بينما يرى لبنان أنها اعتداءات سافرة.

وأشار سلام إلى أن إسرائيل غالباً ما تقوم بضربات دون الإبلاغ عن الانتهاكات عبر لجنة المراقبة، مما يجعل من الصعب على لبنان محاسبتها. واقترح أن يتم إرسال قوات أمريكية وفرنسية إلى المنطقة للتحقيق في الانتهاكات والتحقق منها بشكل مستقل.

مستقبل اليونيفيل والتحديات القادمة

مع اقتراب نهاية مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في جنوب لبنان في عام 2025، يزداد القلق بشأن مستقبل المنطقة الحدودية. تثير مسألة ما سيحدث بعد اليونيفيل تساؤلات حول قدرة الجيش اللبناني على السيطرة على الوضع الأمني في الجنوب، وحول إمكانية حدوث فراغ أمني قد تستغله الأطراف المتنازعة.

وأكد سلام أنه سيناقش هذه المسألة مع وفد من مجلس الأمن الدولي من المقرر أن يزور لبنان في وقت لاحق من هذا الأسبوع. ويواجه لبنان تحديات كبيرة في هذا الصدد، حيث يحتاج إلى دعم دولي لتعزيز قدرات الجيش والحفاظ على الاستقرار في الجنوب.

في الختام، على الرغم من الخطوات المتخذة نحو حوار محدود بين لبنان وإسرائيل، إلا أن مسار التطبيع مع إسرائيل لا يزال مليئاً بالتعقيدات والتحديات. يتطلب تحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة معالجة القضايا العالقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، ونزع سلاح حزب الله، وتنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل وفعال. يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الأطراف المعنية من تجاوز خلافاتها والعمل معاً من أجل مستقبل أفضل للجميع؟

شاركها.
Exit mobile version