في خضم التحضيرات لمواسم الضرائب القادمة، يواجه المشرعون في مختلف الولايات الأمريكية معضلة حاسمة: هل يتبنون التغييرات الضريبية الفيدرالية التي أقرها الرئيس السابق دونالد ترامب، أم يبتعدون عنها؟ هذا السؤال يثير جدلاً واسعاً، ويتطلب تقييماً دقيقاً للتداعيات المالية والاقتصادية المحتملة لكل ولاية. يتعلق الأمر تحديدًا بتبني تعديلات على الإعفاءات الضريبية والتي قد توفر فوائد جمة للمواطنين والشركات، ولكنها قد تضع ضغوطًا كبيرة على ميزانيات الولايات.
ضغوط من واشنطن وتبني محدود للإعفاءات الضريبية
إدارة ترامب، ومن خلالها وزارة الخزانة الأمريكية، مارست ضغوطًا كبيرة على الولايات للامتثال للتغييرات الضريبية الفيدرالية، واصفةً عدم القيام بذلك بأنه “عرقلة سياسية”. تتضمن هذه التغييرات تخفيضات ضريبية مؤقتة على الإكراميات، وأجور العمل الإضافي، وفوائد قروض المركبات الجديدة، بالإضافة إلى زيادة الخصم الضريبي لكبار السن وتعديل الخصومات الضريبية الحكومية والمحلية. كما تتضمن تخفيضات ضريبية للشركات مثل الخصم الفوري لتكاليف المعدات والأبحاث.
ومع ذلك، حتى الآن، لم تبدُ العديد من الولايات حماسًا كبيرًا لتبني هذه الإعفاءات. وأشار كارل ديفيس، مدير الأبحاث في معهد الضرائب والسياسة الاقتصادية، إلى أن الولايات تتعامل مع هذا الأمر “بشكل متشكك”. السبب يعود إلى أن الفوائد المحتملة للأفراد والشركات قد تأتي على حساب الاستقرار المالي للولايات، خاصةً مع الزيادة المتوقعة في تكاليف برامج مثل Medicaid و SNAP (برنامج المساعدة الغذائية التكميلية).
الآثار المالية المعقدة: توفيرات مقابل تكاليف
إن تبني جميع التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب يمكن أن يعني توفير مئات الملايين من الدولارات للمواطنين والشركات على مستوى كل ولاية. ولكن هذا التوفير يأتي بتكلفة. فبالإضافة إلى التحديات المذكورة أعلاه، فإن تطبيق هذه الإعفاءات قد يؤدي إلى تقليل الإيرادات الضريبية المتاحة للولايات في مجالات حيوية أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
لذلك، يجد المشرعون أنفسهم مضطرين إلى الموازنة بين الرغبة في تخفيف العبء الضريبي على المواطنين والشركات، والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار المالي للولاية وتمويل الخدمات الأساسية.
حالة ميشيغان: مثال على التوازن الصعب
تعد ولاية ميشيغان مثالاً واضحاً على هذه المعضلة. في هذا الخريف، أصبحت ميشيغان الولاية الأولى التي اختارت الاستفادة من الإعفاءات الضريبية المتعلقة بالإكراميات وأجور العمل الإضافي، بدءًا من عام 2026. ومع ذلك، قامت الولاية بتعويض هذه التكاليف من خلال الانفصال عن بعض التغييرات الضريبية على الشركات، والتي قدرت أنها ستقلل من عائدات الضرائب بمقدار 540 مليون دولار.
وأكدت آن بولين، رئيسة لجنة المخصصات بمجلس النواب في ميشيغان، أن الولاية “لا تستطيع تحمل كل التخفيضات الضريبية” مع الاستمرار في الاستثمار في المجالات الحيوية. وتعتقد بولين أن تقليل التنظيم ووضع المزيد من الأموال في جيوب الناس هو “أفضل طريق للمضي قدمًا”.
أريزونا والولايات الأخرى: أشياء قيد الدراسة
تدرس ولايات أخرى، مثل أريزونا، أيضاً خياراتها. دعت الحاكمة الديمقراطية كاتي هوبز المشرعين إلى تبني الإعفاءات الضريبية المقترحة، مشيرة إلى أنها ستساعد في تعزيز الاقتصاد المحلي. وتوقع زعماء مجلس النواب الجمهوريون أن يناقشوا هذه التخفيضات في الجلسة القادمة في يناير.
في المقابل، رفضت ولايات أخرى، مثل ديلاوير وإلينوي وبنسلفانيا ورود آيلاند، بعض أو كل الإعفاءات الضريبية للشركات، محاولةً الحفاظ على إيراداتها الضريبية. وقد أشار حاكم إلينوي، جي بي بريتزكر، إلى مخاوف الميزانية، مشددًا على أن الولايات معرضة بالفعل لخسارة الأموال بسبب أحكام أخرى في القانون الفيدرالي.
نافذة زمنية ضيقة وضرورة اتخاذ قرارات سريعة
مع بدء معظم الولايات لجلساتها التشريعية السنوية في شهر يناير، يواجه المشرعون نافذة زمنية ضيقة لاتخاذ قرارات بشأن هذه التغييرات الضريبية. لتطبيق الإعفاءات بأثر رجعي لعام 2025، يجب تحديث النماذج الضريبية قبل أن يبدأ الأفراد والشركات في تقديمها. ويمنحهم تطبيق التغييرات على ضرائب عام 2026 قدرًا أكبر من المرونة، ولكنه لا يزال يتطلب اتخاذ قرار في الوقت المناسب.
الخلاصة: تقييم دقيق وتوازن ضروري
إن مستقبل الإعفاءات الضريبية التي أقرها ترامب في الولايات الأمريكية لا يزال غير واضحًا. يتطلب الأمر تقييمًا دقيقًا للتداعيات المالية والاقتصادية المحتملة لكل ولاية، وتحقيق توازن بين الرغبة في تخفيف العبء الضريبي والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار المالي. ستواصل الولايات مراقبة الوضع عن كثب والعمل على اتخاذ القرارات التي تخدم مصالح سكانها وأعمالها على أفضل وجه. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات محتدمة وقرارات مصيرية ستشكل المشهد الضريبي في جميع أنحاء البلاد.

