في مشهد اقتصادي يواجه تحديات متزايدة، تمكنت وول مارت من تحقيق نتائج فصلية قوية، متجاوزةً توقعات المحللين وواضعةً نفسها في موقع الريادة خلال موسم التسوق المقبل. يعكس أداء الشركة مرونة نموذج عملها وقدرتها على جذب شريحة واسعة من المستهلكين، بما في ذلك أولئك الذين يواجهون صعوبات مالية والأكثر ثراءً على حد سواء. هذا النجاح يأتي في وقت يشهد فيه قطاع التجزئة تباطؤًا، مما يجعل أداء وول مارت مؤشرًا رئيسيًا على صحة الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة.
وول مارت تتفوق على التوقعات في الربع الثالث
أعلنت وول مارت عن أرباح وإيرادات قوية في الربع الثالث من عامها المالي، مما أثار دهشة وول ستريت. ارتفعت المبيعات القابلة للمقارنة في متاجر الولايات المتحدة بنسبة 4.5%، وهو ما يمثل استمرارًا للنمو القوي الذي شهدته الشركة. لكن الأهم من ذلك، أن وول مارت تمكنت من زيادة حصتها في السوق عبر جميع فئات الدخل، مع تسجيل نمو ملحوظ في إنفاق المستهلكين ذوي الدخل المرتفع، الذين يتجاوز دخلهم السنوي 100 ألف دولار.
ويرجع هذا النجاح الجزئي إلى استراتيجية الشركة التي تركز على توفير قيمة مقابل المال، بالإضافة إلى تحسين تجربة التسوق عبر الإنترنت وفي المتاجر. فقد استثمرت وول مارت بشكل كبير في تطوير خدمات التوصيل السريع والأتمتة، مما ساهم في زيادة كفاءتها التشغيلية. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الشركة مبادرات لخفض الأسعار وزيادة عروض الترويج، مما جذب المزيد من المتسوقين.
تحول وول مارت إلى عملاق تكنولوجي
يأتي هذا الأداء القوي في ظل تغيير قيادي هام داخل الشركة. الرئيس التنفيذي الحالي، دوغ ماكميلون، أعلن عن خططه للتقاعد في أوائل العام المقبل، وسيحل محله جون فورنر، رئيس العمليات في الولايات المتحدة. خلال فترة قيادته، قاد ماكميلون تحولًا كبيرًا في وول مارت، محولًا إياها من مجرد بائع تجزئة تقليدي إلى عملاق تكنولوجي يعتمد بشكل كبير على الأتمتة والذكاء الاصطناعي.
هذا التحول يهدف إلى تحسين كفاءة العمليات وخفض التكاليف وتعزيز تجربة التسوق للعملاء. فقد قامت وول مارت بتوسيع نطاق خدماتها الرقمية، مثل التسوق عبر الإنترنت والتوصيل للمنازل، كما أنها تستثمر في تقنيات جديدة مثل الروبوتات والطائرات بدون طيار لتحسين إدارة المخزون والعمليات اللوجستية. إن الاستثمار في التكنولوجيا أصبح محورًا أساسيًا لاستراتيجية وول مارت، وهو ما يظهر بوضوح في نتائجها المالية.
تأثير العوامل الاقتصادية على المستهلك
يرتبط أداء وول مارت ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات في المشهد الاقتصادي الأمريكي. ففي ظل ارتفاع معدلات التضخم وعدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد، يتجه المزيد من المستهلكين إلى وول مارت بحثًا عن أسعار معقولة. بينما يمثل هذا فرصة للشركة لزيادة حصتها في السوق، فإنه يطرح أيضًا تحديات جديدة.
وقد لوحظ تباطؤ في إنفاق المستهلكين ذوي الدخل المنخفض في النصف الثاني من الربع الثالث، ويعزى ذلك جزئيًا إلى انقطاع فوائد برنامج المساعدة الغذائية التكميلية بسبب الإغلاق الحكومي. ويؤكد هذا الأمر على حساسية هذه الشريحة من المستهلكين للتغيرات في الظروف الاقتصادية. في المقابل، استمر المستهلكون ذوو الدخل المرتفع في الإنفاق، مما يشير إلى أنهم أقل تأثرًا بالتضخم.
توقعات إيجابية لموسم العطلات
بفضل أدائها القوي في الربع الثالث، رفعت وول مارت توقعاتها المالية للعام بأكمله. وتتوقع الشركة الآن أن تتراوح الأرباح المعدلة بين 2.58 دولارًا و2.63 دولارًا للسهم، وأن ترتفع المبيعات بنسبة تتراوح بين 4.8% و5.1%. هذه التوقعات الإيجابية تعكس ثقة الشركة في قدرتها على تحقيق نتائج قوية خلال موسم التسوق الحرج للعطلات.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وول مارت عن خطط لنقل إدراج أسهمها العادية إلى بورصة ناسداك ذات التقنية العالية في 9 ديسمبر. يعكس هذا القرار تركيز الشركة المتزايد على التكنولوجيا ورغبتها في جذب المزيد من المستثمرين المهتمين بهذا القطاع.
تباين أداء قطاع التجزئة
في حين أن وول مارت تتألق، يشهد قطاع التجزئة ككل تبايناً في الأداء. فقد تراجعت أرباح “تارجت” في الربع الثالث، حيث تواجه الشركة صعوبات في جذب المتسوقين ذوي الدخل المتوسط. كما أن شركة “هوم ديبوت” خفضت توقعات أرباحها للعام المالي 2025، على الرغم من ارتفاع مبيعاتها. من ناحية أخرى، حققت شركة “TJX”، التي تدير HomeGoods وTJ Maxx، أرباحًا ومبيعات أعلى من المتوقع.
هذا التباين يعكس التحديات التي تواجهها شركات التجزئة في الوقت الحالي، بما في ذلك ارتفاع التكاليف وتغير سلوك المستهلكين والمنافسة الشديدة. ولكن وول مارت برزت كلاعب رئيسي قادر على التغلب على هذه التحديات وتحقيق النمو. فالشركة تواصل الاستثمار في التكنولوجيا وتقديم قيمة مقابل المال، مما يجعلها في وضع جيد للاستفادة من الاتجاهات الهامة في السوق. مستقبل وول مارت يبدو واعدًا، خاصةً مع استمرارها في التكيف مع المتطلبات المتغيرة للمستهلكين.

