في أعقاب الكشف عن ميزانية حكومية مثيرة للجدل، وجد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نفسه مضطرًا للدفاع عن وزيرة الخزانة راشيل ريفز، وذلك بعد اتهامات من المعارضة بالتضليل بشأن الوضع المالي العام في البلاد. هذه القضية، التي تتمركز حول الميزانية البريطانية، أثارت عاصفة سياسية وتساؤلات حول الشفافية والوفاء بالوعود الانتخابية. الميزانية، التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والخدمات العامة، واجهت انتقادات بسبب زيادة الضرائب التي اعتبرها البعض خروجًا عن الوعود التي قطعتها الحكومة.

تفاصيل الأزمة: تسريبات واتهامات بالتضليل

بدأت الأزمة بتسريبات متضاربة لوسائل الإعلام قبل إعلان الميزانية، بالإضافة إلى نشر مبكر غير مقصود للبيان المالي بأكمله. هذه الأحداث أثارت الشكوك حول مدى التحكم في المعلومات، ودفعت المعارضة إلى اتهام ريفز بالتضليل. يزعم المعارضون أنها كانت على علم بتوقعات أكثر إيجابية من المكتب المستقل لمسؤولية الميزانية (OBR) عندما أعلنت عن خطط لزيادة الضرائب.

قبل ثلاثة أسابيع من الميزانية، أعلنت ريفز عن نيتها رفع معدلات ضريبة الدخل، وهو ما كان سيمثل خرقًا لوعد انتخابي رئيسي. ومع ذلك، وبعد ردود فعل عنيفة من داخل حزب العمال وتحديثات أفضل من المتوقع بشأن المالية العامة، تراجعت عن هذا القرار، واختارت بدلاً من ذلك تدابير أقل تأثيرًا لزيادة الإيرادات.

ردود الفعل الرسمية والتحقيقات المطلوبة

لم تتأخر ردود الفعل الرسمية، حيث طالب كل من حزب المحافظين والحزب الوطني الاسكتلندي هيئة السلوك المالي بفتح تحقيق في تعليقات ريفز والتسريبات التي سبقت الميزانية. بالإضافة إلى ذلك، دعا نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح في المملكة المتحدة، مستشار المعايير الحكومية إلى التدخل والتحقيق في الأمر.

من جانبها، تنفي راشيل ريفز بشدة أي تضليل للجمهور أو الأسواق. وأكدت يوم الأحد أن مكتب مسؤولية الميزانية كان قدّر قبل الميزانية أن إيرادات الضرائب ستكون أقل بمقدار 16 مليار جنيه استرليني (حوالي 21 مليار دولار) بسبب توقعات الإنتاجية المنخفضة. وأوضحت أن هذا الفارق في الميزانية دفعها إلى المطالبة بمساهمة أكبر من المواطنين.

استقالة رئيس مكتب OBR وتداعيات التسريب

أضافت استقالة ريتشارد هيوز، رئيس مكتب OBR، بعدًا جديدًا للأزمة. وأرجع هيوز استقالته إلى رغبته في مساعدة المنظمة على تجاوز “هذا الحادث المؤسف” المتعلق بتسريب تفاصيل الميزانية.

التحقيقات الأولية كشفت أن التسريب لم يكن نتيجة “نشاط سيبراني معادٍ”، بل بسبب “أخطاء في التكوين” في استخدام برنامج النشر WordPress. وسمحت هذه الأخطاء للجهات الخارجية بالوصول إلى الوثائق قبل نشرها، إذا تمكنوا من تخمين عنوان URL الصحيح.

الميزانية البريطانية والوفاء بالوعود الانتخابية

تعتبر هذه القضية حساسة بشكل خاص لأن الحكومة الحالية فازت في انتخابات يوليو 2024 على وعد بعدم رفع ضرائب دخل الطبقة العاملة. ورغم أن الزيادات الضريبية التي أقرتها الميزانية بقيمة 26 مليار جنيه استرليني (حوالي 34 مليار دولار) تستهدف بشكل أساسي زيادة الاحتياطيات الحكومية لمواجهة الصدمات المستقبلية، إلا أنها تتعارض مع روح هذا الوعد، إن لم يكن نصه.

دفاع ستارمر عن الميزانية ورؤيته للمستقبل

في خطاب ألقاه يوم الاثنين في مركز مجتمعي في لندن، دافع كير ستارمر عن قرارات حكومته، مؤكدًا أنها ورثت “مالية عامة وخدمات عامة في أزمة شاملة” بعد 14 عامًا من حكم المحافظين. وأشار إلى أن زيادة الضرائب ورفع الحد الأدنى للأجور وتمويل الخدمات العامة هي خطوات ضرورية لمساعدة الأطفال على الخروج من دائرة الفقر.

وأضاف ستارمر: “لقد واجهنا الواقع، وسيطرنا على مستقبلنا، وعادت بريطانيا الآن إلى المسار الصحيح”. وأعرب عن ثقته في أن البلاد ستتجاوز الصعوبات الحالية، وأن المواطنين سيبدأون في الشعور بتحسن في أوضاعهم المعيشية.

تحديات مستقبلية: الرعاية الاجتماعية والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي

أكد ستارمر أن حكومته ستواجه مهمتين رئيسيتين قد تكونان محفوفين بالمخاطر. أولاً، خفض فاتورة الرعاية الاجتماعية المتضخمة في بريطانيا، وهو ما قد يثير غضب بعض أعضاء حزب العمال. وثانيًا، التقارب مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيثير حفيظة السياسيين المحافظين والإصلاحيين المؤيدين لخروج بريطانيا.

وأوضح ستارمر أن اتفاق الخروج الذي تم التفاوض عليه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2020 “أضر باقتصادنا بشكل كبير”، وأكد على ضرورة “مواصلة التحرك نحو علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي”. هذه التصريحات تعكس تحولًا في السياسة البريطانية، وتثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

الخلاصة: ميزانية مثيرة للجدل وتحديات سياسية واقتصادية

تظل الميزانية البريطانية موضوعًا مثيرًا للجدل، حيث تثير تساؤلات حول الشفافية والوفاء بالوعود الانتخابية. يواجه رئيس الوزراء ستارمر تحديات سياسية واقتصادية كبيرة في محاولة تحقيق التوازن بين الحاجة إلى تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق النمو الاقتصادي، مع الحفاظ على دعم قاعدته الانتخابية. من المرجح أن تستمر هذه القضية في شغل الأجندة السياسية في بريطانيا في الأسابيع والأشهر القادمة، وستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل البلاد.

لمزيد من المعلومات حول السياسة الاقتصادية البريطانية و المالية العامة، يمكنكم زيارة المواقع الرسمية للحكومة البريطانية ومكتب مسؤولية الميزانية.

شاركها.
Exit mobile version