في السنوات الأخيرة، شهدت السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة تحولًا ملحوظًا، حيث عززت المحكمة العليا، بأغلبية محافظة، من صلاحيات الرئيس بشكل مطرد. هذه المسيرة، التي بدأت قبل فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب، قد تصل إلى ذروتها في قضية معروضة على المحكمة العليا حاليًا، والتي يمكن أن تحد بشكل كبير من القيود المفروضة على السلطة التنفيذية. القضية تتعلق بصلاحية الرئيس في عزل رؤساء الوكالات المستقلة، وهي مسألة تثير جدلاً واسعًا وتثير تساؤلات حول التوازن بين السلطات في الحكومة الأمريكية. السلطة التنفيذية هي محور هذا التحول، وتأثيره على مستقبل الوكالات المستقلة يثير قلق المراقبين.
تعزيز السلطة الرئاسية: نظرة على تطورات المحكمة العليا
منذ توليها السلطة، سمحت المحكمة العليا للرئيس ترامب بإقالة عدد كبير من المسؤولين، متجاوزةً قرارًا سابقًا يعود لعام 1935، قضية همفري للمنفذ، والذي يحظر على الرئيس عزل رؤساء الوكالات المستقلة دون سبب وجيه. يشمل ذلك مسؤولين من لجنة التجارة الفيدرالية، والمجلس الوطني لعلاقات العمل، ومجلس حماية أنظمة الجدارة، ولجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية. القضية الحالية تركز على إقالة ريبيكا سلوتر من لجنة التجارة الفيدرالية، لكنها تمثل سابقة قد تؤثر على مستقبل العديد من الوكالات المستقلة.
استثناءات محدودة: كوك وبيرلماتر
على الرغم من هذا الاتجاه، هناك استثناءان حتى الآن: ليزا كوك، محافظ الاحتياطي الفيدرالي، وشيرا بيرلماتر، مسؤولة حقوق الطبع والنشر بمكتبة الكونجرس. المحكمة العليا أبدت بالفعل ميلًا للنظر إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل مختلف عن الوكالات الأخرى، لكن الرئيس ترامب أعرب عن رغبته في إقالة كوك بسبب مزاعم الاحتيال على الرهن العقاري، وهي مزاعم تنفيها كوك بشدة. هذا التمييز يثير تساؤلات حول المعايير التي ستعتمدها المحكمة في تحديد صلاحيات الرئيس في عزل المسؤولين.
النظرية التنفيذية الوحدوية: الأساس الفكري للتحول
يعود هذا التحول في السلطة إلى تبني المحكمة العليا للنظرية التنفيذية الوحدوية، وهي وجهة نظر قانونية تؤكد على أن السلطة التنفيذية تتركز بشكل كامل في يد الرئيس. يعتقد أنصار هذه النظرية أن الوكالات الفيدرالية، باعتبارها جزءًا من السلطة التنفيذية، يجب أن تكون مسؤولة أمام الرئيس، بما في ذلك القدرة على إقالة قادتها حسب الرغبة. القاضي أنطونين سكاليا، أحد أبرز الشخصيات القانونية المحافظة، عبر عن هذا الرأي بوضوح في عام 1988، مؤكدًا أن الرئيس يمتلك “كل السلطة التنفيذية”. الوكالات المستقلة هي التي تواجه أكبر تهديد من هذا التوجه.
قضية همفري: نقطة التحول التاريخية
قضية همفري للمنفذ عام 1935 كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين السلطات التنفيذية والوكالات المستقلة. أكدت المحكمة في ذلك الوقت أن الرؤساء، حتى الديمقراطي فرانكلين روزفلت، لا يمكنهم إقالة قادة الوكالات الفيدرالية دون سبب. هذا القرار أرسى دعائم عصر الوكالات الفيدرالية المستقلة القوية، المكلفة بتنظيم جوانب مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية. الآن، تسعى المحكمة العليا إلى إعادة النظر في هذا القرار، مما قد يؤدي إلى تفكيك هذا النظام.
التحديات التاريخية والدستورية
على الرغم من تأكيد المحكمة العليا على السلطة التنفيذية الوحدوية، يرى بعض المؤرخين القانونيين أن هذا التفسير يتعارض مع التاريخ الدستوري. كاليب نيلسون، أستاذ القانون بجامعة فيرجينيا، يرى أن نص المادة الثانية من الدستور وتاريخها أكثر غموضًا مما تدعي المحكمة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت جين مانرز، أستاذة القانون بجامعة فوردهام، ومؤرخون آخرون مذكرات إلى المحكمة لتقديم سياق تاريخي حول سلطة الإزالة في السنوات الأولى للبلاد، مما قد يدفع المحكمة إلى إعادة النظر في موقفها. التفسير الدستوري هو جوهر الخلاف في هذه القضية.
مستقبل الوكالات المستقلة: سيناريوهات محتملة
إذا قررت المحكمة العليا إلغاء أو تقويض قرار همفري للمنفذ، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على مستقبل الوكالات المستقلة. قد يصبح قادة هذه الوكالات عرضة للإقالة المتكررة بناءً على أهواء الرئيس، مما يقوض استقلالهم وقدرتهم على أداء مهامهم بفعالية. في المقابل، إذا حافظت المحكمة على القرار السابق، فستستمر الوكالات المستقلة في لعب دور حيوي في تنظيم الاقتصاد وحماية حقوق المواطنين.
قضية كوك والآثار الاقتصادية المحتملة
بالإضافة إلى قضية سلوتر، هناك قضية أخرى معلقة أمام المحكمة العليا تتعلق بليزا كوك، محافظ الاحتياطي الفيدرالي. حتى لو تبين أن إقالة كوك غير قانونية، فإن المحكمة ستنظر في ما إذا كان القضاة يتمتعون بسلطة إعادة كوك إلى منصبها. يثير هذا الأمر قلقًا بشأن الاستقرار الاقتصادي، حيث أن إقالة قادة البنك المركزي قد تؤدي إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية. المحكمة ستستمع إلى مرافعات منفصلة في يناير/كانون الثاني حول ما إذا كان بإمكان كوك البقاء في منصبها أثناء نظر قضيتها.
في الختام، القضية المعروضة على المحكمة العليا تمثل لحظة حاسمة في تاريخ السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة. القرار الذي ستتخذه المحكمة سيحدد مستقبل الوكالات المستقلة ويؤثر على التوازن بين السلطات في الحكومة الأمريكية. من الضروري متابعة هذه القضية عن كثب وفهم الآثار المحتملة لقرار المحكمة على مستقبل الديمقراطية الأمريكية. هل ستستمر المحكمة في تعزيز السلطة الرئاسية، أم ستعود إلى مبادئ التوازن بين السلطات التي أرساها الآباء المؤسسون؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر الإجابة.

