بيلاروسيا تفرج عن سجناء سياسيين بارزين في خطوة نحو تحسين العلاقات مع واشنطن
في تطور لافت، أفرجت بيلاروسيا عن الحائز على جائزة نوبل للسلام أليس بيالياتسكي، وشخصية المعارضة البارزة ماريا كوليسنيكوفا، بالإضافة إلى العشرات من السجناء السياسيين الآخرين. جاء هذا الإفراج في ختام محادثات استمرت يومين بين مسؤولين بيلاروسيين وأمريكيين، بهدف واضح وهو تحسين العلاقات الثنائية ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الصادرات الزراعية البيلاروسية. هذه الخطوة تمثل تحولاً محتملاً في المشهد السياسي المعقد في بيلاروسيا، وتفتح الباب أمام فصل جديد من الدبلوماسية.
الإفراج عن السجناء وتخفيف العقوبات: تفاصيل الاتفاق
أعلن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، عبر وكالة الأنباء الحكومية بيلتا، عن العفو عن 123 سجينًا. وفي المقابل، أعلنت الولايات المتحدة عن رفع العقوبات المفروضة على قطاع البوتاس في بيلاروسيا، وهو قطاع حيوي للاقتصاد البيلاروسي. هذا التبادل يمثل خطوة ملموسة نحو التطبيع، بعد سنوات من العزلة والعقوبات الغربية التي فرضت على مينسك بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان ودعمها لروسيا في غزو أوكرانيا.
جون كول، المبعوث الأمريكي الخاص إلى بيلاروسيا، وصف المحادثات بأنها “مثمرة للغاية”، مؤكداً أن تطبيع العلاقات هو “هدفنا”. وأضاف أن العلاقة بين البلدين تشهد انتقالًا من “خطوات صغيرة إلى خطوات أكثر ثقة” مع زيادة الحوار. هذا التقدم في العلاقات يأتي بعد فترة طويلة من التوتر وعدم الثقة، مما يجعل هذه التطورات ذات أهمية خاصة.
من هم أبرز المفرج عنهم؟
الإفراج عن أليس بيالياتسكي وماريا كوليسنيكوفا يمثل ضربة قوية للنظام البيلاروسي، ويدل على رغبة في إظهار حسن النية. بيالياتسكي، وهو مدافع بارز عن حقوق الإنسان وأسس منظمة “فياسنا” الحقوقية، حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2022 بينما كان في السجن. أدين بتهمة “التهريب” و”تمويل أنشطة تهدد النظام العام”، وهي تهم اعتبرت على نطاق واسع ذات دوافع سياسية، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات.
بعد إطلاق سراحه، صرح بيالياتسكي بأنه شعر وكأنه “قفز من الماء الجليدي إلى غرفة دافئة”، معربًا عن حاجته للتكيف مع الحرية بعد 1613 يومًا خلف القضبان. وأكد عزمه على مواصلة عمله، قائلاً: “أنا صوت لأكثر من ألف سجين سياسي ما زالوا في بيلاروسيا لمجرد أنهم اختاروا الحرية”.
أما ماريا كوليسنيكوفا، فقد كانت شخصية رئيسية في الاحتجاجات الحاشدة التي هزت بيلاروسيا في عام 2020، وحليفًا مقربًا من زعيمة المعارضة في المنفى، سفياتلانا تسيخانوسكايا. أصبحت كوليسنيكوفا رمزًا للمقاومة بعد محاولتها السلطات ترحيلها قسرًا، حيث مزقت جواز سفرها وعادت إلى بيلاروسيا. حكم عليها بالسجن لمدة 11 عامًا بتهمة “التآمر للاستيلاء على السلطة”.
السجناء الآخرون والوجهة الجديدة
بالإضافة إلى بيالياتسكي وكوليسنيكوفا، تم الإفراج عن شخصيات معارضة بارزة أخرى مثل فيكتور باباريكا، الذي سعى لتحدي لوكاشينكو في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2020، ومكسيم زناك. كما تم إطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان فاليانتسين ستيفانوفيتش وأولادزيمير لابكوفيتش. ومع ذلك، أكدت مصادر أن ستيفانوفيتش لم يتم إطلاق سراحه بعد، على الرغم من وجود آمال في ذلك.
ووفقًا لمجموعة “فياسنا”، فإن غالبية السجناء المفرج عنهم تم إرسالهم إلى أوكرانيا. كما تم إرسال ثمانية إلى تسعة آخرين، من بينهم بيالياتسكي، إلى ليتوانيا، مع توقع وصول المزيد من السجناء إلى الدولة البلطيقية في الأيام القليلة المقبلة. أكدت السلطات الأوكرانية استلامها 114 مدنيًا، من بينهم خمسة مواطنين أوكرانيين، وأن المواطنين البيلاروسيين المفرج عنهم سيتم نقلهم إلى بولندا وليتوانيا “بناءً على طلبهم” وبعد تلقي العلاج الطبي اللازم.
دوافع لوكاشينكو وتأثير العقوبات
يعتقد الكثيرون أن إطلاق سراح السجناء وتخفيف العقوبات يعكس رغبة لوكاشينكو في التقارب مع الغرب. فقد أدت العقوبات الغربية إلى تدهور كبير في الاقتصاد البيلاروسي، وخاصة قطاع البوتاس الذي يمثل مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة.
أشارت المحللة أناستاسيا لوزجينا من مركز البحوث الاقتصادية البيلاروسية (BEROC) إلى أن العقوبات “أضعفت صناعة البوتاس بشكل كبير”، وحرمت بيلاروسيا من “مصدر رئيسي لعائدات النقد الأجنبي”. وتأمل مينسك أن يمهد هذا الإفراج عن السجناء الطريق لتخفيف العقوبات الأوروبية الأكثر إيلامًا.
تسيخانوسكايا تحذر من التفاؤل المبكر
على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، حذرت سفياتلانا تسيخانوسكايا، زعيمة المعارضة في المنفى، من التفاؤل المبكر. وقالت إن إطلاق سراح السجناء يعكس إدراك لوكاشينكو لآثار العقوبات الغربية، لكنها أكدت أنه “لم يغير سياساته”، وأن “حملته القمعية مستمرة” و”يواصل دعم حرب روسيا ضد أوكرانيا”. وشددت على ضرورة الحذر في أي حديث عن تخفيف العقوبات، حتى لا يتم “تعزيز آلة الحرب الروسية” و”تشجيع استمرار القمع”.
نظرة مستقبلية
يمثل الإفراج عن السجناء السياسيين في بيلاروسيا خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكنه ليس سوى بداية الطريق. يتطلب التقدم المستمر في هذه العلاقات خطوات إضافية لحل التوترات مع دول الجوار، مثل ليتوانيا، التي أعلنت حالة الطوارئ الوطنية بسبب المخاطر الأمنية المرتبطة بالبالونات التي أرسلتها بيلاروسيا. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التطورات ستؤدي إلى تغيير حقيقي في السياسات البيلاروسية، أو أنها مجرد مناورة تهدف إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية على النظام. بيلاروسيا تواجه تحديات كبيرة في المستقبل، وسيتطلب الأمر جهودًا متواصلة من جميع الأطراف المعنية لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. العلاقات الأمريكية البيلاروسية تشهد منعطفًا حاسمًا، والسجناء السياسيين الذين تم إطلاق سراحهم يمثلون رمزًا للأمل في مستقبل أفضل.

