بلغاريا تسحب مشروع موازنة 2026 بعد احتجاجات واسعة وتحذيرات أوروبية
أعلنت الحكومة البلغارية، يوم الخميس، عن سحب مشروع موازنة 2026 المثيرة للجدل، وذلك استجابةً للاحتجاجات الشعبية المتصاعدة داخل البلاد والتحذيرات التي تلقتها من جهات خارجية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. يأتي هذا القرار المفاجئ في ظل استعداد بلغاريا للانضمام إلى منطقة اليورو العام المقبل، مما يجعل الاستقرار المالي والسياسي أمرًا بالغ الأهمية. هذا التراجع الحكومي يعكس الضغوط المتزايدة على رئيس الوزراء روزن جيليازكوف وفريقه، ويضع مستقبل السياسة المالية البلغارية على المحك.
أسباب سحب الموازنة: احتجاجات شعبية وتحذيرات اقتصادية
كان مشروع الميزانية قد أثار غضبًا واسعًا في بلغاريا بسبب الزيادات الضريبية الحادة المقترحة، والتي شملت رفع مساهمات الضمان الاجتماعي ومضاعفة ضريبة الأرباح. هذه الزيادات، التي اعتبرها الكثيرون عبئًا إضافيًا على المواطنين والشركات، أدت إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في العاصمة صوفيا ومدن أخرى.
ردود فعل الشارع على الزيادات الضريبية
تصاعدت الاحتجاجات بشكل ملحوظ مساء الأربعاء، حيث تجمع أكثر من 20 ألف شخص أمام البرلمان للتعبير عن رفضهم للخطط الحكومية. المتظاهرون طالبوا بالشفافية الكاملة في الإنفاق العام، وانتقدوا الإنفاق الحكومي الذي بلغ حوالي 46٪ من الناتج المحلي الإجمالي المقرر للعام المقبل. كما أبدوا قلقهم من أن هذه الزيادات ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم دون تحسين جودة الخدمات العامة.
تحذيرات من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي
لم تقتصر الانتقادات على الداخل البلغاري، بل تلقت الحكومة تحذيرات قوية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. حذرت المفوضية الأوروبية من أن مشروع الميزانية قد يتجاوز الحد الأقصى المسموح به لنمو الإنفاق العام، وهو أمر قد يعرض خطط بلغاريا للانضمام إلى منطقة اليورو للخطر. من جانبه، حث صندوق النقد الدولي بلغاريا على تبني سياسة مالية أكثر صرامة لضمان الاستقرار الاقتصادي. السياسة المالية هي محور النقاش حاليًا.
استجابة الحكومة: حوار جديد وتعديلات متوقعة
في أعقاب هذه الضغوط، أعلن زعيم حزب “GERB” الحاكم، بويكو بوريسوف، عن سحب مشروع الميزانية. ودعا الحكومة إلى استئناف الحوار مع أصحاب العمل والنقابات العمالية للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن مستقبل المالية العامة في البلاد.
خطط لتعديل الميزانية
أكد رئيس الوزراء روزن جيليازكوف أن الميزانية سيتم تنقيحها بعد إجراء مشاورات مع الشركاء الاجتماعيين وأحزاب المعارضة. تهدف هذه التعديلات إلى معالجة “عيوب” الميزانية الأصلية، وضمان توافقها مع أهداف الائتلاف الحكومي. وأضاف جيليازكوف أن الحكومة تسعى إلى إيجاد حل يوازن بين الضرورة المالية والاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، ويضمن انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو في الأول من يناير دون أي مشاكل. الانضمام إلى اليورو هو هدف رئيسي للحكومة.
المخاوف الاقتصادية من الميزانية الأصلية
أثار مشروع موازنة 2026 مخاوف كبيرة لدى قطاع الأعمال والمعارضة، حيث اعتبروه تهديدًا للاستثمار والتنمية الاقتصادية. كان الخوف الأكبر هو أن الزيادات الضريبية وارتفاع مساهمات الضمان الاجتماعي ستؤدي إلى تقييد الاستثمار وتشجيع نمو الاقتصاد غير الرسمي.
تأثير الزيادات على الاستثمار والنمو
جادل معارضو الميزانية بأن خطة زيادة الإنفاق ستعتمد بشكل كبير على زيادة الضرائب على الشركات والعمال، مما سيؤدي إلى ارتفاع الدين العام. كما حذروا من أن هذا النهج قد يؤدي إلى تفاقم التضخم دون تحقيق أي تحسن ملموس في كفاءة الخدمات العامة. الاستثمار الأجنبي قد يتأثر سلبًا بهذه التطورات.
مستقبل السياسة المالية البلغارية
يمثل سحب مشروع الميزانية نقطة تحول مهمة في السياسة المالية البلغارية. يتطلب الأمر الآن حوارًا بناءً وشاملًا بين الحكومة والجهات المعنية الأخرى للتوصل إلى حلول مستدامة تضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
التحديات المقبلة
تواجه الحكومة تحديات كبيرة في إيجاد توازن بين تحقيق أهدافها المالية والانضمام إلى منطقة اليورو، وتلبية مطالب المواطنين والشركات. يتطلب ذلك اتخاذ قرارات صعبة وإجراء إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحسين كفاءة الإنفاق العام وتعزيز النمو الاقتصادي. النجاح في هذه المهمة سيعتمد على قدرة الحكومة على بناء الثقة والتوافق مع جميع الأطراف المعنية.
في الختام، يمثل سحب مشروع موازنة 2026 استجابة ضرورية للضغوط الشعبية والاقتصادية. الخطوة التالية هي العمل على صياغة ميزانية جديدة تعكس احتياجات وتطلعات الشعب البلغاري، وتضمن مستقبلًا مزدهرًا للبلاد في منطقة اليورو. ندعو القراء للمشاركة في النقاش حول مستقبل الاقتصاد البلغاري من خلال التعليقات والمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي.

