نجيب رزاق، رئيس الوزراء الماليزي السابق، يواجه مصيراً مظلماً بعد حكم بالسجن لمدة 15 عاماً في قضية فساد كبرى هزت البلاد والعالم. هذا الحكم، الصادر يوم الجمعة، يتعلق بجرائم إساءة استخدام السلطة وغسل الأموال المرتبطة بصندوق الاستثمار الحكومي 1MDB، الذي اتُهم بنهب مليارات الدولارات. القضية، التي استمرت لسنوات، تمثل علامة فارقة في مكافحة الفساد في ماليزيا، وتثير تساؤلات حول مستقبل السياسة والاقتصاد في البلاد. الحكم الصادر يفرض غرامات باهظة وأصولاً ضخمة بقيمة 13.5 مليار رينجت (حوالي 3.3 مليار دولار)، مما يعكس حجم الفساد المالي الذي تورط فيه نجيب.

تفاصيل الحكم وتهم الفساد الموجهة لنجيب رزاق

أدانت المحكمة العليا الماليزية نجيب رزاق بأربع تهم تتعلق بإساءة استخدام السلطة و21 تهمة بغسل الأموال. هذه التهم تتعلق بتحويل أكثر من 700 مليون دولار أمريكي إلى حساباته المصرفية الشخصية من صندوق 1MDB. القاضي كولين لورانس سيكويرا حكم على نجيب بالسجن 15 عامًا عن كل تهمة إساءة استخدام السلطة، وخمس سنوات عن كل تهمة غسل أموال. لحسن الحظ بالنسبة لنجيب، سيتم تنفيذ هذه الأحكام بشكل متزامن، مما يعني أنه سيقضي 15 عامًا إضافيًا في السجن.

بالإضافة إلى السجن، فرضت المحكمة غرامة إجمالية قدرها 11.4 مليار رينجت (حوالي 2.8 مليار دولار) بتهمة إساءة استخدام السلطة، وأمرت باسترداد أصول أخرى بقيمة 2.08 مليار رينجت (حوالي 514 مليون دولار) بموجب قوانين غسل الأموال. وفي حال عدم قدرة نجيب على سداد هذه الغرامات، فإنه سيواجه سنوات إضافية في السجن. محامو نجيب أعلنوا عن نيتهم استئناف الحكم، معتبرين أنه مليء بالأخطاء الفادحة.

صندوق 1MDB: فضيحة مالية عالمية

صندوق 1MDB، الذي تأسس عام 2009 في عهد نجيب رزاق، كان يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في ماليزيا. ومع ذلك، سرعان ما تحول الصندوق إلى محور فضيحة فساد ضخمة، حيث اتُهم مسؤولون كبار وشركاء لنجيب بنهب أكثر من 4.5 مليار دولار أمريكي من الصندوق بين عامي 2009 و2014.

الأموال المسروقة غُسلت عبر دول متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة وسنغافورة وسويسرا، واستُخدمت في تمويل مشاريع باهظة الثمن مثل أفلام هوليوود، وشراء فنادق فاخرة ويخوت خاصة، ومجوهرات. هذه الفضيحة لم تقتصر على ماليزيا، بل امتدت لتشمل وول ستريت، حيث واجه بنك جولدمان ساكس غرامات بالمليارات لدوره في جمع الأموال لصالح صندوق 1MDB.

دفاع نجيب وردود المحكمة

طوال المحاكمة، نفى نجيب رزاق ارتكاب أي مخالفات، مدعيًا أن الأموال التي وردت إلى حساباته كانت تبرعات سياسية من المملكة العربية السعودية. كما زعم أنه تعرض للخداع من قبل مستشارين ماليين مارقين، وعلى رأسهم لو تايك جو، الذي يُعتقد أنه العقل المدبر للفضيحة.

ومع ذلك، رفض القاضي سيكويرا هذه الادعاءات، واصفًا إياها بأنها “غير قابلة للتصديق”. وأشار إلى أن أربع رسائل يُزعم أنها من الجهة المانحة السعودية كانت مزورة، وأن الأدلة تشير بوضوح إلى أن الأموال جاءت من صندوق 1MDB. القاضي أكد أن نجيب لم يبذل أي جهد للتحقق من مصدر الأموال الضخمة، بل على العكس، استخدمها على الرغم من أصولها المشبوهة، واتخذ خطوات لحماية منصبه، بما في ذلك إقالة المدعي العام ورئيس مكافحة الفساد اللذين كانا يحققان في القضية.

القاضي سيكويرا لم يتردد في انتقاد دفاع نجيب، قائلاً: “المتهم لم يكن ساذجًا”. وأضاف أن أي محاولة لتصوير نجيب على أنه جاهل أو غير مدرك للأفعال الإجرامية التي كانت تحدث من حوله يجب أن تفشل.

تداعيات الحكم ومستقبل نجيب رزاق

هذا الحكم يمثل ضربة قوية لنجيب رزاق، الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه شخصية لا يمكن المساس بها في ماليزيا. نجيب، الذي شغل منصب رئيس الوزراء من عام 2009 إلى عام 2018، يقضي حاليًا عقوبة السجن بعد إدانته في قضية سابقة مرتبطة بفضيحة 1MDB.

في عام 2020، حُكم عليه بالسجن 12 عامًا بتهمة إساءة استخدام السلطة وخيانة الأمانة وغسل الأموال، لكن عقوبته خُفضت لاحقًا إلى النصف من قبل مجلس العفو في عام 2024. ومع ذلك، فإن الحكم الجديد يضيف 15 عامًا أخرى إلى فترة سجنه، مما يعني أنه سيقضي وقتًا أطول خلف القضبان.

زوجة نجيب، روسمة منصور، حُكم عليها أيضًا بالسجن 10 سنوات وغرامة كبيرة في قضية كسب غير مشروع منفصلة في عام 2022، لكنها أُطلقت بكفالة في انتظار الاستئناف.

الفساد المالي و صندوق 1MDB و نجيب رزاق هي كلمات مفتاحية أساسية لفهم هذه القضية. هذا الحكم يبعث برسالة قوية مفادها أن الفساد لن يُتسامح معه في ماليزيا، وأن المسؤولين الذين يسيئون استخدام السلطة سيحاسبون على أفعالهم. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الحكم سيؤدي إلى إصلاحات أعمق في النظام السياسي والاقتصادي الماليزي، وما إذا كان سيساعد في استعادة ثقة الشعب في الحكومة.

شاركها.
Exit mobile version