في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً واسعاً، وجهت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق أنشطة خمسة مشاريع ضخمة لـ طاقة الرياح البحرية قيد الإنشاء قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة. هذا القرار، الذي كشفت عنه رسائل حديثة من وزارة الداخلية، يمثل تطوراً جديداً في سياسة الإدارة المثيرة للجدل تجاه مصادر الطاقة المتجددة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل هذا القطاع الحيوي.
توجيه بتعليق المشاريع ومخاوف الأمن القومي
أصدر مكتب إدارة طاقة المحيطات (BOEM) رسائل إلى مطوري المشاريع، يطلب فيها تعليق الأنشطة لمدة 90 يوماً على الأقل. وخلال هذه الفترة، ستعمل وزارة الداخلية بشكل وثيق مع الشركات المعنية لـ “تحديد ما إذا كان بالإمكان تخفيف التهديدات التي تشكلها هذه المشاريع على الأمن القومي بشكل مناسب”. كما أشارت الوكالة إلى إمكانية تمديد فترة التعليق إذا لزم الأمر.
الإعلان الرسمي الصادر عن الإدارة يوم الاثنين اكتفى بالإشارة إلى “مخاوف تتعلق بالأمن القومي” دون تقديم تفاصيل محددة. لكن الرسائل اللاحقة كشفت أن وزارة الدفاع قد أتمت تقييماً حديثاً للآثار المحتملة لمشاريع طاقة الرياح البحرية على الأمن القومي، وقدمت معلومات سرية جديدة للقيادة العليا في وزارة الداخلية. وتشير هذه المعلومات إلى أن التوربينات قد تتسبب في “ضرر خطير وفوري وغير قابل للإصلاح” للأمن القومي، خاصةً نظراً لموقع المشاريع الحساس على الساحل الشرقي.
ردود فعل غاضبة وانتقادات للقرار
أثار هذا القرار موجة من الغضب والانتقادات من قبل المسؤولين المحليين، وشركات الطاقة المتجددة، والمدافعين عن البيئة. فالحكام الديمقراطيون لأربع ولايات متأثرة – كونيتيكت ورود آيلاند وماساتشوستس ونيويورك – أصدروا بياناً مشتركاً وصفوا فيه الإجراء بأنه “يشبه كتلة من الفحم القذر في موسم العطلات للعمال والمستهلكين والمستثمرين الأمريكيين”. كما أشاروا إلى أن إيقاف المشاريع النشطة، بما في ذلك تلك التي أوشكت على الانتهاء، “يتحدى المنطق، وسيضر بمحاولتنا لتحقيق استقلال الطاقة، وسيؤدي إلى ارتفاع التكاليف على دافعي الضرائب في أمريكا، وسيجعلنا نفقد الآلاف من الوظائف ذات الأجر الجيد”.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب خبراء في مجال الطاقة المتجددة عن قلقهم من أن هذا القرار يمثل خطوة أخرى في جهود إدارة ترامب لتقويض صناعة الرياح البحرية، التي واجهت بالفعل ضغوطاً متزايدة منذ توليه منصبه. ويرى البعض أن هذا الإجراء يأتي في أعقاب حكم قضائي صدر قبل أسبوعين، حيث وصف قاض اتحادي أمراً تنفيذياً للرئيس ترامب يهدف إلى منع مشاريع طاقة الرياح بأنه “غير قانوني”.
تساؤلات حول التقييم الأمني ودور المسؤولين
يثير القرار أيضاً تساؤلات حول طبيعة المعلومات الاستخباراتية الجديدة التي دفعت الإدارة إلى اتخاذ هذه الخطوة. كيرك ليبولد، خبير في الأمن القومي وقائد سابق للمدمرة يو إس إس كول، تساءل عن التغييرات التي طرأت على التهديدات الأمنية، قائلاً: “المخاوف بشأن التأثيرات المحتملة لتوربينات الرياح على أنظمة الرادار كانت معروفة منذ عقود. ما هو التهديد الذي تغير؟ هل طور الصينيون أسلحة أو تقنيات جديدة لا ندركها ولا نستطيع محاربتها؟”. وأضاف أنه “على حد علمه، لم يتغير شيء في بيئة التهديد”.
كما أثار تعيين ماثيو جياكونا، القائم بأعمال مدير BOEM وعضو سابق في جماعة ضغط تابعة للجمعية الوطنية لصناعات المحيطات، مخاوف أخلاقية. ودعا الديمقراطيون في مجلس النواب إلى إجراء تحقيق في تصرفات جياكونا، مشيرين إلى أن عمله السابق في مجال الضغط قد يتعارض بشكل مباشر مع مهامه الحالية. في المقابل، دافعت وزارة الداخلية عن جياكونا، مؤكدة أنه “موظف مؤهل تأهيلا عاليا وسليم أخلاقيا”.
تأثير القرار على مشاريع الطاقة والبنية التحتية
هذا التعليق لمشاريع طاقة الرياح البحرية يهدد أيضاً بتقويض جهود الكونجرس للموافقة على إصلاحات في إجراءات التصاريح المتعلقة بمشاريع الطاقة والبنية التحتية. فقد أعلن عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطيان شيلدون وايتهاوس ومارتن هاينريش أن تعليق عقود الإيجار يعني أن جهودهما لإصلاح عملية التصاريح “ماتت في الماء”. وكان مجلس النواب قد وافق الأسبوع الماضي على مشروع قانون يهدف إلى تسريع عملية الموافقة على مشاريع الطاقة الجديدة، لكن الديمقراطيين يشيرون إلى أن أي اتفاق يجب أن يكون تحت إدارة إدارة تلتزم بالقانون.
مستقبل طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة
في الختام، يمثل قرار إدارة ترامب بتعليق مشاريع طاقة الرياح البحرية ضربة كبيرة لصناعة الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة. يثير هذا الإجراء تساؤلات حول التزام الإدارة بالتحول نحو مصادر طاقة أنظف، ويضع مستقبل هذه المشاريع الحيوية على المحك. من المرجح أن يستمر الجدل حول هذا القرار في الأيام والأسابيع القادمة، مع استمرار الأطراف المعنية في البحث عن حلول تضمن تطوير الطاقة النظيفة مع الحفاظ على الأمن القومي. يبقى أن نرى ما إذا كانت وزارة الداخلية ستتمكن من تحديد “تهديدات الأمن القومي” المزعومة وتقديم حلول مقنعة لجميع الأطراف.

